مع العلم أن
هذه المدينة كانت بها كشافة فرنسية جل عناصرها يهود.
وعن هذا المولود الجديد يقول صادق الفول رحمه الله <<في سنة 1930
جمعت بعض الشبان لا يتجاوز عددهم العشرة و أسسنا فوجا كشفيا جزائريا يحمل
اسم ابن خلدون تسبب في ظهور عدة مشاكل مع الإدارة الفرنسية الأمر الذي أدى
في النهاية إلى انضمام بعض الأوربيين و اليهود.و الغريب في هؤلاء هو أننا
عندما نسأل أحدهم عن سبب الانخراط يقول:أريد أن أكون كشافا مسلما...غير أن
نية هؤلاء المنخرطين هي الجوسسة و التفرقة و الاطلاع عن قرب عما يحدث و
محاولة تحريف اتجاهنا وأفكارنا..>>.
ومن خلال ما تقدم تتضح النوايا الخبيثة للإدارة الاستعمارية التي وضعت
شروطا مجففة لاستمرار نشاط الفوج و المتمثلة في انضمام العناصر الفرنسية و
اليهودية لاستخدامهم كجواسيس قصد التعرف على اتجاهات الفوج الكشفي الجديد
الأمر الذي نتج عنه اضطراب عمل الفوج و تحريف اتجاهه بالتصرفات و السلوكات
المنافية للقيم و الأخلاق الإسلامية<حادثة تنظيم حفل انتهى بشرب الخمر
و السكر>.
وعقب الزيارات المتكررة إلى مدينة مليانة كان محمد بوراس يلتقي بهذه
العناصر الكشفية فانبهر بالنتائج التي توصل إليها صديقه صادق الفول ففكر
في إنشاء فوج في العاصمة وراسل صديقه حول المسالة و بعد مدة اخبره بأنه
أسس فوجا كشفيا من ثمانية أعضاء يحمل اسم الفلاح بقلب القصبة و ذلك عام
1935 و اعد قانونه الأساسي و قدمه لولاية الجزائر بتاريخ 16 أبريل 1936 و
تحصل على تصريح إداري يوم 5 جوان 1936 تحت رقم 2458.
ومما يجب ذكره انه في هذه الفترة ظهرت عدة أفواج كشفية في عدة مناطق من
البلاد نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:فوج ابن خلدون بمليانة عام
1934فوج الرجاء بقسنطينة عام 1936 فوج الصباح بقسنطينة عام 1936 فوج
الفلاح بمستغانم عام 1936 فوج القطب بالجزائر العاصمة عام 1937فوج الإقبال
بالبليدة عام 1936 فوج الحياة بسطيف عام 1938 فوج الهلال بتيزي وزو عام
1938 فوج الرجاء بباتنة عام 1938 فوج النجوم بقالمة عام 1939...الخ.
***تأسيس جامعة الكشافة الإسلامية الجزائرية:***
فكر محمد بوراس في تأسيس جامعة الكشافة الإسلامية الجزائرية على غرار
جامعات الكشافة الفرنسية الكاثوليكية و الإسرائيلية و اللائكية و
البروتستانية قصد جمع شمل كافة الأفواج و الجمعيات الكشفية و توحيدها في
اتجاه وطني واحد ولتحقيق ذلك اعد قانونا أساسيا عرضه على السلطات الفرنسية
الحاكمة للمصادقة عليه لكن إدارة الاحتلال واجهته بالرفض المطلق لما فيه
من طابع مميز للشخصية الوطنية الجزائرية.
ولما تولت الجبهة الشعبية الحكم في فرنسا عام 1936 قدم محمد بوراس للمرة
الثانية مشروع قانون جامعة الكشافة الإسلامية الجزائرية بعد تعديلات طفيفة
ادخلها عليه فحظي المشروع بالموافقة فكانت أول مبادرة تشكيل مؤقتا لجنة
مديرة لفيدرالية الكشافة الإسلامية الجزائرية متكونة من محمد بوراس
.الصادق الفول. بوبريط رابح. بوعزيز مختار. محمد مادة. الطاهر تجيني. باي
ابراهيم. بوعبد الله .دحماني. مزغنة. حسان بلكيرد وغيرهم.
كما تم التحضير للمؤتمر الذي بمقتضاه أسست فدرالية الكشافة الإسلامية
الجزائرية فكان أول تجمع كشفي في جويلية 1939 بالحراش العاصمة تحت الرئاسة
الشرفية للشيخ عبد الحميد ابن باديس وكان شعار هذا التجمع<الإسلام
ديننا و العربية لغتنا و الجزائر وطننا>.
درس المؤتمرون أهداف الحركة و مرماها و سطروا برامج العمل المشترك...في جو
من الحماس و السرور كما تم تعيين القيادة العامة التي تسند اليها مهمة
تربية النشء تربية وطنية و توحيد القانون الكشفي و الزي الكشفي و الشارات
و تطبيق البرامج الكشفية و تكوين مخيمات التكوين...الخ.
وقد حظيت جامعة الكشافة الإسلامية الجزائرية بمساعدة و تشجيع أقطاب الحركة
الإصلاحية بحضور أئمتها في التجمعات و المؤتمرات التي تنظمها الكشافة
الإسلامية الجزائرية كابن باديس في قسنطينة و الطيب العقبي في العاصمة و
البشير الإبراهيمي في تلمسان.
وفي هذا الصدد يذكر محمد الصالح رمضان في مخطوطة <الحركة الكشفية و
تاريخها> إن الكشافة الإسلامية الجزائرية نشأت و ترعرعت في أحضان
الحركة الإصلاحية العامة التي تشرف عليها و توجهها جمعية العلماء المسلمين
الجزائريين واسم الجامعة الكشفية دال على ذلك كما نبتت معظم أفواجها و
اكثر جمعياتها في أوساط و بيئات إصلاحية إلى جانب النوادي و المدارس
العربية الحرة بل كان اغلب فتيان الحركة الكشفية و قادتها ومسيري جمعياتها
من تلاميذ هذه المدارس و النوادي أو من أعضاء جمعياتها المحلية و كان
مرشدوها جميعا من معلمي تلك المدارس كما كان الأساتذة و المعلمون
الجزائريون المتحررون في المدارس الفرنسية من أهم عناصرها وبناتها وبعض
السياسيين كذلك كانوا لا يبخلون عليها بالدعم و التأييد و المشاركة
العملية...
وفي إطار أدوارها الوطنية في مجال تحفيز الهمم و تنمية الحماس الوطني
بالأناشيد و العروض المسرحية قدمت أيضا خدمات في المجال الثقافي التربوي
زيادة على تدريباتها النظامية إذ يراها الكثير من المسيرين مدرسة للتكوين
العسكري و عناصرها جنود العروبة و الإسلام بجاذبية زيها حياة مخيمها و
دراسة العديد من التقنيات شبه العسكرية و هي تسعى لخدمة الوطن كما هو
منصوص عليه في قانون ووعد الكشاف.
ونظرا لنشاطاتها الإصلاحية و التربوية اكتسبت الحركة الكشفية شعبية كبيرة
فتعلق بها الجزائريون كثيرا لذا دفعوا بأبنائهم إلى هذه المدرسة الوطنية
الأمر الذي لم ترتح له السلطات الاستعمارية فتبنت سلسلة من المناورات
لعرقلة نشاطاتها و ذلك عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية.بحيث وجهت
حكومة فيشي برئاسة الجنرال<بيتان> العناية المادية و المعنوية لكافة
المنظمات الكشفية سواء بفرنسا أو الجزائر ما عدا الجمعيات الجزائرية التي
كان يسيرها قادة جزائريون و لها صبغة جزائرية محضة ولم تكتف حكومة بيتان
بهذا الإجراء بل عمدت إلى توحيد المنظمات الكشفية<كالكشافة
الفرنسية.الدليلات الفرنسيات.كشافة فرنسا.الجامعة الفرنسية للدليلات
والكشافة الإسرائيلية الفرنسية>وجعل هذه الأخيرة منظمة كشفية حكومية
واحدة تحت اسم <الكشافة الفرنسية> تعمل بأوامر وتوجيهات الحكومة
الفرنسية و يمنع منعا باتا لأية منظمة القيام بالنشاط الكشفي في فرنسا و
الأقطار التابعة لها إلا بترخيص حكومي و إن أرادوا مزاولة نشاطهم الكشفي
لا بد من الانضواء تحت لواء<الكشافة الفرنسية> لمدة عام واحد على
الأقل لاكتساب الطابع الرسمي و التدرب على تطبيق مناهجها و أهدافها.
واجهت الكشافة الإسلامية الجزائرية الإجراءات التعسفية بالتحدي و الصمود و
طالبت بحق الاعتراف رسميا بتنظيمها الكشفي و استقلاليتها عن الكشافة
الفرنسية.و لاضعاف مساعيها عمدت إدارة الاحتلال إلى إبعاد محمد بوراس عن
الجزائر بتعيينه مدرسا في فرنسا.ولم تكتف بهذا بل وجهت له تهمة الخيانة و
التواطؤ مع الألمان للقيام بالثورة.لذا أحالته على المحكمة العسكرية التي
أصدرت حكمها القاضي بتنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص يوم 27ماي 1941 على
الساعة الخامسة صباحا بالساحة العسكرية بحسن داي بالجزائر العاصمة.
ورغم استشهاد محمد بوراس واصلت الكشافة الإسلامية الجزائرية السير على نهج
مؤسسها و تمسكت بمبادئها ومطالبتها المتمثلة في الاستقلال عن الكشافة
الفرنسية فتظاهرت الولاية العامة بالتخلي عن سياستها فاستدعت مسيري
الكشافة الإسلامية الجزائرية إلى مخيمات تكوينية مع بقية المنظمات
الشبانية بحجة نقص تكوينهم الكشفي و للحصول على المزيد من الدراسات
الكشفية على يد قادة ومدربين فرنسيين.لكن الغرض الحقيقي من هذا هو انتزاع
كل محاولة استقلالية و بالتالي محو كل فكرة وطنية من أذهان القادة
الكشفيين الجزائريين.وبهذه الإجراءات تنافست الجمعيات الكشفية الفرنسية
لجذب عناصر الحركة الكشفية الجزائرية هذه الأخيرة وجدتها فرصة ثمينة
لاسترجاع نشاطها الكشفي فسطرت البرامج و تضاعفت المخيمات ونظمت الملتقيات
الجهوية التي شارك فيها الشباب الجزائري فسمحت اللقاءات بالتعارف مع بقية
القادة الكشفيين الجزائريين المنخرطين في المنظمات الكشفية الفرنسية و
بالتالي ضمان عودة هذه العناصر إلى صفوف الحركة الكشفية الجزائرية.