بسم الله الرحمن الرحيم
إن
قيام الأمة المسلمة الواحدة في الأرض صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص ضرورة
أساسيّة للوفاء بتبليغ رسالة الله إلى النَّاس كافّة ، ودعوتهم إلى
الإيمان والتوحيد وإلى دين الله كما أُنزِل على محمّد صلى الله عليه وسلم
.
إن تبليغ هذه الرسالة العظيمة ودعوة النَّاس إليها وتعهّدهم
عليها ، أصبح فرضاً على الأمّة المسلمة على كلِّ مسلم قادر وعلى الأمة
كلّها ، ولا يفلح المسلم ولا الأمـة بهذه القضيّة إلا إذا كان المسلمون
أمة واحدة صفاً كالبنيان المرصوص .
( وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ ) [ آل عمران : 144]... ( وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ آل عمران : 104 ] ؛
وكذلك : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ
صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) [ الصف : 4]
إشراقة شهر
رمضان المبارك تحمل في كلِّ سنة معاني كثيرة وحقائق هامّة من حقائق
الإسلام الكبيرة . ونشير في هذه الكلمة الموجزة إلى الحقائق التي
أوجزناها :
· الأمة المسلمة الواحدة صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص .
· تبليغ دعوة الله إلى النّاس كافّة كما أُنزلت على محمّد صلى الله عليه وسلم.
·إنَّ قيام الأمة المسلمة الواحدة وتبليغ رسالة الله للنَّاس كافّة حاجة بشريّة وضرورة لصلاح حياة الإنسان على الأرض.
وهي ضرورة لنجاة المسلم والإنسان عامّة من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة.
إنَّ
شهر رمضان المبارك يذكرنا بهذه الحقائق كلّ عام ، كما تذكّرنا بها سائر
الشعائر والشهادتان..فما بال المسلمين اليوم تفرّقوا شيعاً وفرقاً
وأقطاراً ، وما بالهم تمزَّقوا في صراع لا يرضاه الله ولا يأذن به ؟!
لقد
تحوّل كثير من قواعد الإسلام إلى صورة جديدة لم يألفها الإسلام الذي جاء
به محمّد صلى الله عليه وسلم ، ولا يرضاها . فلقد تحوّل شهر رمضان إلى شهر
موائد وطعام وتزاحم على ذلك ، وإلى التمسّك بالنوافل وترك بعض الفرائض .
وارتخت العزائم وغاب الكثيرون في غفوة شديدة . وعلت الشعارات وبحَّت بها
الحناجر ودوّت بها الساحات والمهرجانات ، ولم تدوّ بها الوقائع والأحداث .
نحتفل
اليوم بإقبال شهر رمضان المبارك وفلسطين تغيب وراء الأفق ، ودماء المسلمين
فوّارة في الأرض تحت هدير المعتدين الظالمين المجرمين ، وأشلاء المسلمين
وأعراضهم وحرماتهم وأموالهم منثـورة يتزاحم عليها المجرمون .
يأتي
شهر رمضان المبارك ، كثيرون يتسابقون إلى مواقف الاستسلام والاستخذاء
لأعداء الله ، كثيرون يلتمسون النصر من أعداء الله أو من أوثان أو من
أوهام ، في تمزّق وفرقة وشتات.
في الأيام الأخيرة من شهر شعبان ترى
الناس يتسابقون إلى الأسواق يختارون أطايب الطعام للإفطار وللسحور . إنّها
القضيّة التي تشغل بال الكثيرين . وعندما تدور الأحاديث عن شهر رمضان
المبارك في بعض وسائل الإعلام في العالم الإسلاميّ ، ينصبُّ كثير منه حول
اختلاف الأطعمة من بلد إلى بلد ، وحول اختلاف العادات من بلد إلى بلد في
الاحتفاء بشهر رمضان المبارك ، العادات التي توارثها جيل عن جيل في مراحل
الوهن والضعف.
كثيرون ممن ينتسبون
إلى الإسلام يقضون لياليَ رمضان مع بعض الفضائيات وبرامجها المتفلّتة ،
وآخرون يقضونها في ألوان أخرى من اللهو والضياع ، وآخرون قد لا يصومون أو
يصلّون ، ويظلّون يصرّون على أنّهم من المسلمين .
يقبل
شهر رمضان المبارك ، والمسلمون ليس لهم نهج ولا خطة لمجابهة الواقع الأليم
إنما هي شعارات وأمانيّ وأوهـام من خلال الفرقة والتمزق والصراع.
لو
أحصيت الذين يصلّـون الفجر أو أيّ وقت آخر في العالم الإسلاميّ كلّه ،
وأحصيت عدد الذين ينتسبون إلى الإسلام حسب الإحصائيات ، لوجدت النسبة
منخفضة جداً . فمن يستفيد من هذه الملايين الضائعة من المنتسبين إلى
الإسلام . إنَّ أعداء الله هم الذين يستفيدون من ذلك كلّه ، من خلال عمل
منهجيّ دائب ليل نهار .
كان شهر رمضان المبارك يقبل فيجمع المسلمين
أمة واحدة في المساجد ، وفي ميادين الجهـاد ، وفي البناء والعمل المتواصل
، يمضون على صراط مستقيم ، يعرفون أهدافهم والدرب الذي يؤدِّي إلى الأهداف
. واليوم تشعَّبتْ السبل وضاعت الأهداف، وعمّيت علينا الحقائق .
كان
شهر رمضان المبارك يقبل ، فيبادر النّاس كعادتهم بعد صلاة الفجر إلى العمل
والسعي والبناء . واليوم يغلب النوم على الكثيرين فلا يستيقظون على صلاة
الفجر ، ويمتدُّ بهم النوم إلى وقت متأخر من الضحى أو النهار كلّه .
لقد تغيّر واقع المسلمين .
فعسى أن تنهض العزائم مع إشراقة رمضان لاستئناف الحياة الصادقة ،
حياة بناء الأمة الواحدة والصفّ الواحد ،
حياة تبليغ الدعوة إلى النّاس كافّة .