عدد الرسائل : 2309 العمر : 37 المزاج : جيد نقاط : 3867 شكر : 3 تاريخ التسجيل : 19/05/2010
موضوع: الأسرة و دورها التربوي والتعليمي السبت 26 مارس 2011 - 20:24
لقد قيل: "الرجال لا يولدون بل يصنعون". عندما ألتفت باحتشام إلى ماضينا القريب أقف مشدوها أمام رجال صنعوا من ذواتهم الضعيفة والفقيرة نجوما تسطع في سماء الجزائر في مجالات شتى وعلوم مختلفة فأرى ابن باديس حاملا مشعل الإصلاح ينير درب أمّة أتعبتها سنوات الاستعمار، وأرى مالك بن نبي مستغرقا في خلوته يبحث عن أسباب التخلف وبناء الحضارة ومفدي زكرياء يتغنى بشعره عن نضال شعب أبى إلا أن يثور في وجه الظلم والظالمين... فينتابني الخجل من واقعنا ثم أطأطأ رأسي ولا أدري إن كان ذلك افتخارا وإعجابا بهذا الماضي المجيد أو ذلة وانكسارا من هذا الواقع الأليم.
لا يهم إن كان هذا أو ذاك، أليس هؤلاء وغيرهم كثير أبناء أسر جزائرية، أنجبت فصنعت رجالا، قادة ومصلحين، أدباء ومفكرين، وهذه آثارها تدل عليها. فكيف لهذه الأسر التي رزحت سنين طويلة تحت نير الثالوث الخطير الاستبداد والجهل والفقر أن تسطع بأبنائها في سماء الجزائر؟ وكيف لهذه الأسر التي لا تعرف من المدرسة إلا هيكلا يحرم عليهم دخوله أن تقف في وجه الجهل؟ ثمّ ألتفت إلى واقعنا حيث المدارس تنتشر في كل شبر من أرض الجزائر، حيث الملايين يترددون عليها صباح مساء، يؤطرهم مئات الآلاف من المعلمين والأساتذة والمشرفين التربويين وغيرهم، ثمّ أنادي، أين أنت يابن باديس، ولا مجيب.
إنّها مفارقة عجيبة تتطلب من علمائنا ومسؤولينا الاهتمام والعناية الفائقة بها بحثا وتحليلا ودراسة.
إنّ المتأمل في هذه المعادلة الصعبة لا أخاله ينكر دور الأسرة في صناعة هؤلاء الرجال قبل دور المدرسة، وإنَّ التأكيد على أهمية دور الأسرة في رعاية وتربية الأبناء لمن أسمى وأجلّ الأمور التي يجب أن تتضافر حولها جهود الآباء والأمهات وأهل العلم والدعاة والتربويين والإعلاميين.. عملا وحفاظا على بناء الأسرة الصالحة في المجتمع التي تصنع لأبنائها سلما يرتقي من خلاله كلّ من يرغب في العلياء والسؤدد. مسؤولية الأولياء في تربية الأبناء
يضحي الأولياء بالنفس والنفيس من أجل تربية وتعليم أبنائهم وتنشئتهم تنشئة سليمة، لا لشيء يحظون به ولا لمكافأة ينالونها وإنما لفطرة فطرها الله في الناس على حبّ أبنائهم وفلذات أكبادهم، يقول تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وقال أحدهم:
إنمــا أطفـالنا بيننــا أكبادنا تمشـي على الأرض
إن هبّت الريح على بعضهم امتنعت عيني عـن الغمض
إنّهم جواهر نفيسة لا يتنازل عنها الآباء ولا الأمهات بأيّ ثمن، فكيف يعقل أن يترك هؤلاء الأبناء بلا رقيب، ضحايا ما يبثه التلفزيون عبر قنواته الكثيرة، وما ينتجه الشارع من آثام وعيوب؟ فالأبناء أمانة في عنق أوليائهم، سيّما في مرحلة النقل حيث تتشكل شخصية الطفل السلوكية منها والأخلاقية، يقول أحد علماء النفس: (أعطني السنوات السبع الأولى للابن أعطك التشكيل الذي ستكون عليه شخصيته). صحيح أنّ تربية الأبناء من أصعب المهام وأثقل المسؤوليات إلا أنها من أوجبها لخطورتها على الأسرة والمجتمع معا، قال عمر بن عبد العزيز: (الصلاح من الله والأدب من الآباء).
دور الأسرة في تعليم الأبناء
لا نريد بهذا العنوان تبيان حق الطفل في التمدرس لأنّ ذلك قد فصل فيه القانون، بل ويعاقب كل من يحول دون تسجيل ابنه البالغ سن التمدرس، وإنما نريد تبيان دور الأسرة في تهيئة جوّ الدراسة والتعلم لأبنائها في البيت وتحبيب المطالعة لهم ومساعدتهم على المراجعة وحثهم على الاجتهاد والمثابرة والقيام بالواجبات المنزلية وتذليل الصعوبات التي تعترض مسارهم الدراسي كحاجتهم للأدوات المدرسية اللازمة، وكتب المطالعة ووسائل الإيضاح وغيرها.
يمكن للأسرة أن تقوم بجوانب هامة في حياة الطفل قبل انتقاله إلى المدرسة، بدءا بتنشئته على التربية الإيمانية بتعليمه بعض مبادئ الإيمان وحفظ بعض صور القرآن.. والتربية الخلقية كالتحلي بمكارم الأخلاق وتجنب الكذب والسرقة وغيرها من الرذائل، والتربية العقلية بتعويد الطفل على إعمال العقل، وتوجيهه إلى قراءة بعض القصص الهادفة.. والتربية النفسية بمساعدته على تجاوز بعض الأعراض النفسية التي قد تعترضه في حياته كالخجل والخوف والشعور بالنقص.. والتربية الاجتماعية المتمثلة في كيفية التعامل مع الآخرين، مشاركتهم ومبادلتهم التحية والمشاعر الطيبة..
لا يتوقف دور الأسرة في تربية وتعليم أبنائها عند مرحلة التمدرس، بل تنتقل معهم إلى جميع مراحل وأطوار التعلم بدءا بتهيئة الجوّ المساعد على الدراسة في البيت، والقيام بزيارات دورية تفقدية إلى المدرسة تستفسر عن عمل واجتهاد الابن وتستعلم عن تقدمه أو تأخره وتتبادل الآراء مع المدرسين فيما يخدم المتعلم الذي هو غاية العملية التعلمية إلى جانب المشاركة في كلّ نشاط مدرسي يتطلب حضورها أو إسهامها.
فالأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى في حياة الطفل التي من خلالها يكوّن اتجاهاته وقيمه وسلوكياته بل وعقيدته كذلك، وقد جاء في الحديث عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يولد الطفل على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.) وتأتي المدرسة امتدادا لهذه الأسرة وعاملا مكملا لدور الوالدين، حيث يوظف فيها الطفل اتجاهاته وقيمه وسلوكياته التي استمدها من أبويه ويضيف لها خبرات وقيم جديدة يستمدها من أقرانه ومدرسيه ومن ثمة ينسج الوسط المدرسي تفاعلات نفسية وإنسانية أخرى في شخصية الطفل.
بين الأسرة والمدرسة دور تكاملي لا يمكن للطفل أن ينمو بشكل صحيح ومتوازن إلا من خلال هذا الدور التكاملي، قد يهدم البيت ما تبنيه المدرسة، وقد تهدم المدرسة ما اكتسبه الطفل في البيت، ومن ثمة يعيش الطفل تناقضا أو ازدواجية في السلوك ما يجره إلى البحث عن مصدر آخر يكتسب منه خبراته وقيمه، وما أخطر هذا المصدر إن لم يخضع للرقابة الأسرية أو المدرسية!
إنّ الأسرة مسؤولة عن تفوق الأبناء في مسارهم الدراسي، لكن لا ننكر دور المدرسة في تكوينهم وتعليمهم وتفتيق مواهبهم، فالتكامل بينهما إنّما ينشأ من وظائفهما التربوية والاجتماعية والعلمية المشتركة القائمة على أساس عملية التأثر والتأثير، فكلاهما يخدم الآخر إيجابا أو سلبا.
آخٌِتُِِّْ حٍّآرٌٍسٌِِّة ...::| مشرفة أقسام المنتديات العامة |::...
عدد الرسائل : 540 العمر : 31 نقاط : 760 شكر : 0 تاريخ التسجيل : 16/05/2011
موضوع: رد: الأسرة و دورها التربوي والتعليمي الثلاثاء 17 مايو 2011 - 18:03
انجاز رائع ومواضيع مميز وابداع راقي سلمت وسلمت الايادي التي شاركت وساهمت في هذا الطرح الجميل بارك الله بك ولا تحرمنا من ابداعاتك وتميزك المتواصل واصل في كل ما هو جديد ومفيد لديــــــــــــــك فنحن بانتظار جديدك الرائع والجميــــــل