تعريف التصوف
تعريف التصوف
قال القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى:
(التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر
والباطن لنيل السعادة الأبدية) [على هامش "الرسالة القشيرية" ص7 توفي شيخ
الإسلام زكريا الأنصاري سنة 929هـ].
ويقول الشيخ أحمد زروق رحمه الله:
(التصوف علم قصد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه
لإصلاح العمل، وحفظ النظام، وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول "علم التوحيد"
لتحقيق المقدمات بالبراهين، وتحلية الإيمان بالإيقان، كالطب لحفظ الأبدان،
وكالنحو لإصلاح اللسان إلى غير ذلك) ["قواعد التصوف" قاعدة 13 ص 6 لأبي
العباس أحمد الشهير بزروق الفاسي، ولد سنة 846هـ بمدينة فاس، وتوفي سنة
899هـ في طرابلس الغرب].
قال سيد الطائفتين الإمام الجنيد رحمه الله:
(التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني) ["النصرة النبوية" للشيخ مصطفى المدني ص22. توفي الإمام الجنيد سنة 297هـ].
وقال بعضهم:
(التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف) ["النصرة
النبوية" للشيخ مصطفى المدني ص22، توفي الإمام الجنيد سنة 297هـ].
وقال أبو الحسن الشاذلي رحمه الله:
(التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية) ["نور التحقيق"
للعلامة حامد صقر ص93. توفي أبو الحسن سنة 656هـ في مصر].
وقال ابن عجيبة رحمه الله:
(التصوف: هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية
البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل،
وآخره موهبة) ["معراج التشوف إلى حقائق التصوف" لأحمد بن عجيبة الحسني ص4].
وقال صاحب "كشف الظنون":
(هو علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعاداتهم) إلى أن قال:
علم التصوف علمٌ ليس يعرفه إلا أخو فطنةٍ بالحق معروفُوليس يعرفه مَنْ ليس يشهده وكيف يشهد ضوءَ الشمسِ مكفوفُ
["كشف الظنون" للعلامة حاجي خليفة ج1/ص413 ـ 414].
وقال الشيخ زروق في قواعد التصوف:
(وقد حُدَّ التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجع كلها لصدق
التوجه إلى الله تعالى، وإنما هي وجوه فيه) ["قواعد التصوف" ص2].
فعماد التصوف تصفية القلب من أوضار المادة، وقوامه صلة الإنسان بالخالق
العظيم، فالصوفي من صفا قلبه لله، وصفتْ لله معاملته، فصفت له من الله
تعالى كرامته.
نشأة علم التصوف
يقول الدكتور أحمد عَلْوَشْ: (قد يتساءل الكثيرون عن السبب في عدم انتشار
الدعوة إلى التصوف في صدر الإسلام، وعدم ظهور هذه الدعوة إلا بعد عهد
الصحابة والتابعين ؛ والجواب عن هذا: إنه لم تكن من حاجة إليها في العصر
الأول، لأن أهل هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع، وأرباب مجاهدة وإقبال على
العبادة بطبيعتهم، وبحكم قرب اتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم،
فكانوا يتسابقون ويتبارون في الاقتداء به في ذلك كله، فلم يكن ثمَّة ما
يدعو إلى تلقينهم علماً يرشدهم إلى أمرٍ هُم قائمون به فعلاً، وإنما مثلهم
في ذلك كله كمثل العربي القُحِّ، يعرف اللغة العربية بالتوارث كابراً عن
كابر؛ حتى إنه ليقرض الشعر البليغ بالسليقة والفطرة، دون أن يعرف شيئاَ من
قواعد اللغة والإعراب والنظم والقريض، فمثل هذا لا يلزمه أن يتعلم النحو
ودروس البلاغة، ولكن علم النحو وقواعد اللغة والشعر تصبح لازمة وضرورية
عند تفشي اللحن، وضعف التعبير، أو لمن يريد من الأجانب أن يتفهمها ويتعرف
عليها، أو عندما يصبح هذا العلم ضرورة من ضرورات الاجتماع كبقية العلوم
التي نشأت وتألفت على توالي العصور في أوقاتها المناسبة.
فالصحابة والتابعون ـ وإن لم يتسموا باسم المتصوفين ـ كانوا صوفيين فعلاً
وإن لم يكونوا كذلك اسماً، وماذا يراد بالتصوف أكثر من أن يعيش المرء لربه
لا لنفسه، ويتحلى بالزهد وملازمة العبودية، والإقبال على الله بالروح
والقلب في جميع الأوقات، وسائر الكمالات التي وصل بها الصحابة والتابعون
من حيث الرقي الروحي إلى أسمى الدرجات فهم لم يكتفوا بالإقرار في عقائد
الإيمان، والقيام بفروض الإسلام، بل قرنوا الإقرار بالتذوق والوجدان،
وزادوا على الفروض الإتيان بكل ما استحبه الرسول صلى الله عليه وسلم من
نوافل العبادات، وابتعدوا عن المكروهات فضلاً عن المحرمات، حتى استنارت
بصائرهم، وتفجرت ينابيع الحكمة من قلوبهم، وفاضت الأسرار الربانية على
جوانحهم. وكذلك كان شأن التابعين وتابعي التابعين، وهذه العصور الثلاثة
كانت أزهى عصور الإسلام وخيرها على الإطلاق، وقد جاء عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قوله: "خير القرون قرني هذا فالذي يليه والذي يليه" ["خير
الناس قرني هذا ثم الذين يلونهم.." أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب
الشهادات. وفي "صحيح مسلم" في فضائل الصحابة عن ابن مسعود رضي الله عنه].
فلما تقادم العهد، ودخل في حظيرة الإسلام أُمم شتى، وأجناس عديدة، واتسعت
دائرة العلوم، وتقسمت وتوزعت بين أرباب الاختصاص؛ قام كل فريق بتدوين الفن
والعلم الذي يُجيده أكثر من غيره، فنشأ ـ بعد تدوين النحو في الصدر الأول
ـ علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث، وأصول الدين، والتفسير،
والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض "الميراث" وغيرها..
وحدث بعد هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئاً فشيئاً، وأخذ
الناس يتناسون ضرورة الإقبال على الله بالعبودية، وبالقلب والهمة، مما دعا
أرباب الرياضة والزهد إلى أن يعملوا هُم من ناحيتهم أيضاً على تدوين علم
التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، ولم يكن ذلك منهم
احتجاجاً على انصراف الطوائف الأخرى إلى تدوين علومهم ـ كما يظن ذلك خطأً
بعض المستشرقين ـ بل كان يجب أن يكون سداً للنقص، واستكمالاً لحاجات الدين
في جميع نواحي النشاط، مما لا بد منه لحصول التعاون على تمهيد أسباب البر
والتقوى" ["المسلم مجلة العشيرة المحمدية" عدد محرم 1376هـ. من بحث:
التصوف من الوجهة التاريخية للدكتور أحمد علوش، وهو من الرواد الأوائل
الذين نقلوا حقائق التصوف الإسلامي إلى اللغات الأجنبية، وقد ألف فضيلته
كتاباً باللغة الإنكليزية عن التصوف الإسلامي، كان له أكبر الأثر في تصحيح
الأفكار والرد على المستشرقين كما ألف كتابه "الجامع" عن الإسلام الذي رد
فيه على التهم المفتراة على دين الله، وكان له أثره البعيد في خدمة هذا
الدين].