مقال فلسفي حول محور اللغة والفكر:
هل يمكن أن نفكر فيما نعجزعن قوله؟
إذاسلمنا بأن اللغة هي نسق رمزي تنتضم في داخله صور الأشياء والمفاهيم والعلاقات فإننانرى أنهاتقابل الفكر بماهو شيئ باطني إنه يمثل مجموع المعاني والمفاهيم والتصورات العقلية بماهي مدركات مجردة .
فماالعلاقة بين الفكر واللغة ؟ كيف تصور الفلاسفة هذه العلاقة ؟ هل باقتدار اللغة التعبير عن الفكر ؟وهلالفكر مستقل عن اللغة ؟ هل هو سابق عنها ؟ هل هناك تناسب بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ ؟ وهل يمكن أن يكون للإنسان معان من غير ألفاظ تقابلها كماقد تصدر ألفاظلاتحمل أي معنى ؟ أم أن هناك توازنا وتناسبابين كمية الألفاظ وكمية المعاني ؟
إذن فالمشكلة تدور حول طبيعة العلاقة القائمة بين الدال والمدلول أو بين اللغة والفكر .وحول هذه المشكلة بالذات انقسم الفلاسفة إلى قسمين وظهر بذلك إتجاهان متعارضان وهما:
الجزء الأول :
يمثله الفلاسفة الحدسين أمثال الفرنسي هنري برغسون الذي يرى أن هناك عدم توازن أو تناسب
بين اللغة والفكر أي ليس هناك تناسبا بين مانملكه من أفكار وبين مانملكه من ألفاظ ومرد ذلك إلى مايلي :
*أن الفكر متقدم على اللغة إذ أننا دائما نفكر ثم نعبر وليس العكس .
*أنالفكر يتجاوز اللغة إذأحيانا يجد الإنسان في نفسه معنى يصعب التعبير عنه لغويا لأن الألفاظ لاتعبر إلا عن أمور سهلة تعارف عليهاالمجتمع خلاف ما نجده عندما نريد التعبير عن أفكار عاطفية أو فنية أو صوفية وهذايعني أن الفكر أوسع بكثير من اللغة واللغة تبدوا محدودة بينما المعاني ليست محدودة بمعنى أن اللغة ليست في مقدورها أن تعبر عن الفكر -قصور اللغة في ترجمة الفكر ترجمة كاملة .
*إن الفكر متصل والألفاظ منفصلة وهذا معناه أن اللغة قابلة للتحليل والتركيب بينما الفكر في ذهن صاحبه عبارة عنمعاني متصلة ومتدفقة لاتسعها الألفاظ ولذلك فإن الفكر أقوى من اللغة لكن إذا تم تجسيد الأفكار في الألفاظ فإن ذلك يؤدي إلى فقدان قوته وقيمته فاللغة تعرقل الفكر وتجمد بريقه ولذلك قال برغسون :<إن الألفاظ قبور المعاني >وقال أ يضا <إن لاتسجل من الشيئ سوى وظيفته الأكثر شيوعا >
مناقشة :
إن البرغسونية تؤكد أن دائرة الفكر أوسع من دائرة اللغة وهو موقف نقدره ونثمن مبرراته ولكن هذا التقدير لايمنعنا من مآخذته بمآحذ عدة وهو أن الجزم بإنفصال الفكر عن اللغة يتعارض مع الواقع لأنه ليس من المنطق تصور شيئ لاإسم له ولا يمكن الفصل بين معنى ومعتى آخر إلا إذا ترجمت تلك المعاني في قوالب لغوية أي في عبارات أوجمل .فلا تتمايز الأفكار فيما بينها إلا إذا إندرجت في قوالب لغوية .
الجزء الثاني :
يؤكدمعظم فلاسفة اللغة على وجود وحدة عضوية بين اللغة والفكر وحججهم في ذلك هي :
*لا وجود للأفكار إلاإذا عبرت عنها الألفاظ .
*لاتكون المعاني عند الأطفال إلا إذاإكتسبوا اللغة .فالتلاحم بين الأفكار والألفاظ عند هذا الإتجاه أكيد وضروري فقد قال هاملتون << إن المعاني شبيهة بشرار النار لاتومض إلا لتغيب .ولا يمكن لإظهارها وتثبيتها إلا بلألفاظ >>. ويرى أيضا :<<أن الألفاظ حصون المعاني >>.
وقد عبر دوسوسير عن هذا بقوله :<<يمكن تشبيه اللغة بورقة يكون الفكر وجهها الأول والصوت وجهها الثاني ولا يستطيع فصل أحد الوجهين عن الأخر والأمر نفسه بالنسبة إلى اللغة إذ لايمكن عزل الصوت عنالفكر ولا الفكر عن الصوت>>.
مناقشة :
إن القول بإستقلال اللغة عن الفكر يبقى نسبيا من حيث أن هناك عدم التناسب بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ وهذا يعني أن الإنسان يفهم معاني اللغة أكثر مما يحسن من ألفاظها.
الجزء الثالث :
في الحقيقة ينبغي القول أنه لاتوجد لغة بدون فكر ولا فكر بدون لغة فالفكر متضمنن داخل اللغة واللغة لباس الفكر كمايقول ميرلوبونتي:<<إن الفكر لايوجد حارج الكلمات >>.ويقول دولاكروا:<<إن الفكر يصنع اللغة وهي تصنعه >>.فالفكر واللغة مظهرين لعملة نقدية واحدة فهمايمثلان كيان واحد ولهما غاية واجدة .
حلال مشكلة :
فبالرغم من إختلاف اللغة والفكر إلا أنهما يشكلان وحدة غير قابلة للتجزئة